فما حكم السؤال في المسجد، وما حكم إعطاء السائلين فيه؟
ذهب أهل العلم في ذلك مذهبين:
1. منهم من منع من ذلك في المسجد، ومنع كذلك من التصدق على من يسأل بنفسه داخل المسجد، وأجازوا ذلك خارج المسجد عند المداخل الخارجية، أو أن يطلب أحدهم من الإمام أن يسأل له إن اقتنع بحاجته.
2. ومنهم من اجاز السؤال ـ مع مراعاة آدابه ـ في المسجد لحاجة الناس لذلك ولأن المساجد يؤمها أصحاب القلوب الرحيمة على الفقراء والمحتاجين.
مذاهب أهل العلم وأقوالهم في ذلك
قال الونشريسي المالكي رحمه الله تحت مبحث: [سؤال المساكين الصدقة في المسجد]: (وسئل ـ ابن لـُب ـ عن السؤال في المسجد، هل يجوز لهم ذلك، وهل يعطون، أو يحرمون ردعاً لهم عن ذلك؟
فأجاب: وقد ورد النهي عن السؤال في المساجد لأنها سوق الآخرة، ولأنه قد يشغب على من يكون في الصلاة. وقد قال بعض الفقهاء: ينبغي فإنه لا يترك، ولا يفعل، وإنما أجازوا في المساجد أن يسألوا هم بأنفسهم، لحديث المصريين.
لكن اختار بعض الشيوخ الماضين إباحة السؤال على الإطلاق لغلبة الحرمان على السُؤَّال في هذه الأوقات، ومشاهد الصلوات مظنة الرحمات، ورقة القلوب الباعثة على الصدقات، فأبيح للضرورة مخافة الضيعة).
وقال الإمام النووي رحمه الله: (ولا بأس بأن يعطى السائل في المسجد شيئاً لحديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟" فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه)..
وقال ابن مفلح رحمه الله: (قال بعض أَصحابنا: يكره السؤال والتصدق في المساجد، ومرادهم والله أعلم التصدق على السُؤَّال مطلقاً، وقطع به ابن عقيل، وأكثرهم لم يذكر الكراهة. وقد نص أحمد رحمه الله على أن من سأل، قبل خطبة الجمعة، ثم جلس لها تجوز الصدقة عليه، وكذلك إن تـُصُدِّق على من لم يسأل، وسأل الخاطب الصدقة على إنسان جاز.
وروى البيهقي في (المناقب) عن عليِّ بن محمد بن بدر قال: صليتُ يوم الجمعة فإذا أحمد ابن حنبل يقرب مني، فقام سائل فسأل فأعطاه أحمد قطعة، فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى ذلك السائل، فقال: أعطني تلك القطعة فأبى، فقال: أعطني وأعطيك درهماً، فلم يفعل، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهماً، فقال: لا أفعل أرجو من بركة هذه القطعة ما ترجوه أنت.
وقال أبو مطيع البلخي الحنفي: لا يحل للرجل أن يعطي سُؤَّال المسجد.
وقال خلف بن أيوب: لو كنتُ قاضياً، لم أقبل شهادة من تَصَدَّق عليه.
واختار صاحب (المحيط) منهم إن سأل لأمر لا بد منه، ولا ضرر فلا بأس بذلك وإلا كره).
وقال الإمام السيوطي رحمه الله في رسالة لطيفة له بعنوان (بذل العسجد لسُؤَّال المسجد): (السؤال في المسجد مكروه كراهة تنزيه، وإعطاء السائل في قربة يثاب عليها، وليس يكره، فضلاً أن يكون حراماً، هذا هو المنقول والذي دلت عليه الأحاديث.
ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن أبي بكر السابق.
ثم قال:
ومن أخذ تحريمه من كونه مؤذياً للمصلين برفع الصوت فأكثر ما ينهض ذلك دليلاً للكراهة، وقد نص النووي في شرح المهذب على أنه يكره رفع الصوت بالخصومة في المسجد، ولم يحكم عليه بالتحريم).
وقال ابن قتيبة رحمه الله: (وكان الحسن البصري يطرد السُؤال يوم الجمعة ولا يرى لهم جمعة)
الخلاصة...
أولاً: لا ينفك الحكم على السؤال في المسجد والتصدق فيه عن أسلوب السائلين وما يصدر منهم من صياح وتشويش.
ثانياً: لهذا يترجح لديَّ من أقوال أهل العلم السابقة أن السؤال داخل المسجد والإعطاء فيه لا يجوز.
ثالثاً: يمكن للمحتاجين أن يقفوا في المداخل الخارجية للمسجد، وليس الداخلية ويسألون.
رابعاً: من كان محتاجاً وعنده ما يقنع بع الإمام فله أنْ يرفع أمره للإمام ليسأل له المصلين.
خامساً: تشتد حرمة السؤال والإعطاء للسائلين، سيما المحترفين لذلك في صحن الطواف.
سادساً: ينبغي للمسؤولين عن المساجد من الهيئات واللجان أن يمنعوا عن ذلك بالطرق المشاهدة الآن.
سابعاً: عمدة المجيزين للسؤال في المسجد والإعطاء فيه، حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وفيه خلاف بين أهل العلم بين مصحح ومضعف له. فلا يصلح للاحتجاج على مشروعية عمل في بيت من بيوت الله عز وجل حيث لم تـُبْنَ المساجد له.
والله أعلم بالصواب وله المرجع والمآب، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين وعلى آله وأصحابه والتابعين.